تحليل | لماذا طبعت السعودية مع الأسد؟


شهدت السياسة السعودية تغييرات اتجاه نظام بشار الأسد بعد أن كانت معادية له وداعمة لفصائل المعارضة السورية، ووصلت ذروتها إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية في عام 2023.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد سبق وسعى لإقناع السعودية كونها دولة ذات ثقل في المنطقة بالتطبيع مع نظام بشار الأسد.. فكيف بدأ هذا المسار؟
(تنويه: جرى إعداد هذا التحليل في مايو آيار 2023 أي قبل سقوط الأسد في 8 ديسمبر 2024)
كان التقارب بين المملكة العربية السعودية ونظام بشار الأسد في عداد المستحيلات خلال عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وذلك بسبب عداء الأسد العلني للمملكة وهجماته الإعلامية المتكررة ضد العائلة الحاكمة عبر وسائل الإعلام الرسمية.
لكن مع تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الحكم، تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إقناع القيادة السعودية بأن تعميق العلاقة مع الأسد ضرورة استراتيجية تصب في مصلحة روسيا، التي أصبحت تربطها شراكة قوية مع الرياض.
بدأت التفاهمات السعودية - الروسية حول الملف السوري بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا بتاريخ 10 سبتمبر 2015، حيث شهدت عدة مراحل تدريجية:
1- زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو في 11 أكتوبر 2015، حيث تم التباحث مع بوتين حول مستقبل سوريا.
2- لقاء هامشي بين الملك سلمان وبوتين خلال قمة العشرين في تركيا يوم 16 نوفمبر 2015.
رغم هذه التفاهمات، لم يكتمل التطبيع بين الرياض ودمشق بسبب استمرار تحفظ السعودية على الأسد، إلا أن بوتين واصل جهوده لإنهاء هذا البرود، فوجه دعوة رسمية للملك سلمان لزيارة موسكو، حيث تم استقباله استقبالًا حافلًا في 5 أكتوبر 2017.
خلال اللقاء، أبدى بوتين رغبته العلنية في تطبيع سعودي مباشر مع الأسد، إلا أن الموقف السعودي كان متحفظًا، مطالبًا الأسد بالتوقف عن تصرفاته العدائية ضد المملكة وتقديم اعتذار رسمي.
بناءً على هذا الطلب، استدعى بوتين الأسد إلى موسكو يوم 2 نوفمبر 2017، حيث طلب منه التوقف عن جميع الإساءات الإعلامية للمملكة، ومنذ ذلك الحين، اختفت الهجمات الإعلامية السورية ضد السعودية، مما مهد الأرضية لمزيد من التقارب.
أسباب التقارب السعودي مع نظام الأسد
1- ملف المخدرات (الكبتاغون)
تحاول السعودية التصدي لتدفق المخدرات القادمة من سوريا، والتي تُستخدم كمصدر تمويل للنظام السوري، حيث سعت الرياض من خلال التطبيع ورفع العقوبات الدولية إلى تقديم بدائل مالية للنظام السوري مقابل وقف تجارة المخدرات.
2- الضغوط الإقليمية والدولية
مع بدء بعض الدول العربية، مثل الإمارات وسلطنة عُمان في إعادة العلاقات مع الأسد، رأت السعودية أن التقارب معه قد يعزز نفوذها الإقليمي بدلاً من ترك الساحة مفتوحة أمام منافسيها.
3- المصالح الاقتصادية وإعادة الإعمار
مع الحديث المتزايد عن إعادة إعمار سوريا، رأت السعودية فرصة اقتصادية واستراتيجية في لعب دور مهم بهذه العملية، مما قد يعزز نفوذها في الداخل السوري.
4- الحد من النفوذ الإيراني في سوريا
على الرغم من كون إيران حليفًا استراتيجيًا للأسد، تسعى السعودية إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا من خلال تقديم بدائل إقليمية قد تغري النظام السوري، وذلك في إطار التنافس السعودي-الإيراني على النفوذ الإقليمي.
5- الأمن ومكافحة الإرهاب
تسعى المملكة إلى تعزيز استقرار المنطقة ومنع انتشار الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، ولذلك قد رأت أن التعاون مع نظام الأسد – رغم كل الخلافات – ضروريًا لمكافحة الإرهاب في سوريا.
6- إبعاده عن إيران
رأت السعودية أن بإمكانها إبعاد النظام السوري عن إيران وإعادته إلى المحور العربي، خصوصًا بعد تنامي النفوذ الإيراني في سوريا، والذي أصبح مصدر قلق ليس فقط للسعودية، بل أيضًا لروسيا وإسرائيل.
إلا أن الأسد كان مترددًا في هذه الخطوة، فهو لا يثق بالشركاء العرب بسبب سياساتهم المتقلبة، ويرى أن إيران كانت الحليف الوحيد الذي لم يتخلَّ عنه حتى في أصعب الظروف.
بحسب شهادة عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري الأسبق، فإن آخر وصية تركها حافظ الأسد لبشار قبل وفاته كانت:
"لا تثق إلا بإيران، لأنها لن تتخلى عنك أبدًا ولن تبيع أصدقاءها".
الخلاصة
انتقل الموقف السعودي تجاه الأسد من العداء المطلق إلى التقارب الحذر جرى بفضل الوساطة الروسية، لكن عوامل مثل المخدرات، المصالح الاقتصادية، وإعادة ترتيب الأولويات الإقليمية ساهمت في إعادة تقييم الرياض لعلاقاتها مع دمشق.
ورغم التقارب، ظل نظام الأسد مرتبطًا بشكل وثيق بإيران، مما جعل إمكانية إبعاده عن طهران غير مؤكدة، وظلت السعودية تنظر إلى الأسد بعين الحذر، وعلاقتها به محكومة بالتوازنات الإقليمية والتطورات السياسية المستقبلية.